فصل: مسألة سألت زوجها أن يكتب إلى أبيها إني قد طلقت ابنتك ليأتيها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة سألت زوجها أن يكتب إلى أبيها إني قد طلقت ابنتك ليأتيها:

وسئل عن جارية متزوجة كانت تكتب إلى أبيها تسأله أن يزورها وهو عنها غائب، فلم يفعل، فلما رأت ذلك، سألت زوجها أن يكتب إليه: إني قد طلقت ابنتك، ليأتيها، فكتب زوجها بذلك إليه، ثم خاف ذلك، وأخذ بنفسه منه شيء، ولم يكن حين كتب بذلك إلى أبيها يريد طلاقها. فقال: إن صح هذا هكذا، فلا أرى عليه شيئا ولا طلاقا، إن صح هذا، وكان على هذا، وشديد أن يعمد الرجل الذي بيده الطلاق، فيكتب بهذا، لو كانت هي كتبت ذلك على لسانه، وإني لأخاف أن تكون إنما أرادت خديعة، فإن صح هذا على هذا فلا أرى عليه طلاقا ولا شيئا، ورأيت إن قام أبوها الآن بالكتاب فقال: هذا كتابك الذي بطلاق ابنتي ألا شيء له، فقيل له: إنه ليس يخاصمه أحد، إنما هو أمر فيما بينه وبين الله، قال: إن صح هذا فلا أرى عليه طلاقا، قيل: أرأيت إن قام أبوها بالكتاب وقال: لو كان دعا قوما فأشهدهم على هذا وقال: إنما سألتني أن أكتب هذا الكتاب كذا، وأنا أكتب به لذلك، لا أريد به طلاقا، قيل له: أرأيت إن لم يكن أشهدهم، وجاء أبوها بالكتاب، فجاءت هي وهو يقتص هذه القصة، أترى أن يستحلف؟ قال: لا أدري، وما الناس كلهم عندي سواء في مثل هذا الاختلاف، أما الرجل المأمون، فكنت أرى في رأيي أن يقبل ذلك منه، ويصدق فيه. قيل له: أرأيت لو أن المرأة قالت أردت خديعة بذلك، وأردت الطلاق، فأنكر ذلك، قال: إن علم ذلك من شأنهما، لم أر عليه حنثا، وإن لم يكن إلا قوله وقد ظهر كتابه بطلاقها، وثبت ذلك عليه، رأيت أن يطلق عليه. قيل له: أي الطلاق؟ قال: ينوى ويكون واحدة.
قال محمد بن رشد: في ألفاظ هذه المسألة إشكال، وفي ظاهر كلامه فيها اضطراب واحتمال، والذي يتحصل منه أنه إن صح الوجه الذي ذكره في كتابه إلى أبي زوجته أنه طلقها، يريد ببينة تشهد على ذلك، أو جاء الزوج مستفتيا وحده فلا طلاق عليه، وإن جاءوا كلهم معا، يذكر الزوج والزوجة القصة على وجهها، ويقول الأب: أنا لا أدري صدقهما من كذبهما، صدق مع يمينه، إن كان مأمونا، وإن قام الأب بالكتاب في مغيب الزوج، فلما وقف عليه أقر به، وادعى أنه إنما كتب بذلك، كما ذكر، لم يصدق في ذلك إلا أن يكون قد أشهد شهودا على أنه إنما كتب بالطلاق لذلك، فإن لم يكن أشهد على ذلك، لزمه الطلاق. قال في الرواية ينوى وتكون واحدة قال ذلك أشهب في نظير هذه المسألة، وهو صحيح على أصولهم فيمن ادعى على رجل حقا فأنكره المدعى عليه، وأقام المدعي ببينة على ما ادعاه، فإن المدعى عليه يحلف ما له عنده شيء، ويغرم ما شهدت به البينة، إذ لا خروج له من ذلك، كما لا خروج له من الطلقة الواحدة المتيقنة، ولو رجع فقال: أردت بذلك الطلاق واحدة، لكانت واحدة، ولم يكن عليه في ذلك يمين، على القول بأن من قال قد طلقت امرأتي ولا نية له، إنها واحدة، وأما على القول بأنها ثلاث، إذا لم تكن له نية، فقيل: إنه لا ينوى لإنكاره أولا أن يكون أراد الطلاق، وتكون ثلاثا، وقيل: إنه يحلف وتكون واحدة، والاختلاف في هذا على اختلافهم فيمن ادعى عليه وديعة فأنكر، ثم أقر، وادعى التلف. والقولان قائمان من المدونة، والحمد لله.

.مسألة امرأة المحلل إذا فرق بينهما ما الذي يكون لها:

وسئل عن امرأة المحلل إذا فرق بينهما، ما الذي يكون لها؟ أمهر مثلها أم المهر الذي فرض لها؟ قال: أيما امرأة أصابها فلها المهر الذي فرض لها.
قال محمد بن رشد: مثل هذا في موطأ يحيى: إن لها مهرها وفي موطأ ابن بكير مهر مثلها. وهذا الاختلاف في الصداق إنما يكون إذا تزوجها بشرط أن يحلها على اختلافهم في الأنكحة الفاسدة، للشروط المشترطة فيها إذا فسخت بعد الدخول، أو أقرت، وقد ذهب الشرط وهو ينوي أن يحلها دون شرط كان بينه وبينها أو بينه وبين أوليائها، علم الزوج بذلك أو لم يعلم، لكان لها الصداق المسمى قولا واحدا، والله أعلم.

.مسألة بينه وبين امرأته كلام فقال لها اذهبي إلى بيتك فقالت على ماذا:

وسئل عن رجل كان بينه وبين امرأته كلام، فقال لها: اذهبي إلى بيتك، فقالت: على ماذا؟ فقال لها: اذهبي على طلقة، فقالت: لا، فقال: اذهبي على طلقتين، فجلست ولم تذهب، قال: أراه قد طلقها تطليقتين، قيل له: إنما قال لها اذهبي إلى بيت أهلك على طلقتين، فلم تذهب، قال: أرى الطلاق قد خرج من فيه، وأراه قد طلقها طلقتين.
قال محمد بن رشد: إنما أوجب عليه التطليقتين، وإن لم تذهب، من أجل أنه لم يوجب الطلقتين عليه بشرط ذهابها، وإنما فهم من قصده أنه أراد أن يطلقها إن شاءت، فعبر عن مشيئتها بذهابها إلى بيتها؛ لأن المرأة إذا طلقت رجعت إلى بيتها، فقال لها: اذهبي على طلقة، ومعناه: أنت طالق واحدة إن شئت، فقالت: لا أشاء، فقال لها: اذهبي على تطليقتين، ومعناه: أنت طالق تطليقتين إن شئت، فأوجب عليه التطليقتين لرضاها بهما، بدليل سكوتها.
ويدخل في هذا الاختلاف في السكوت، هل هو كالإذن أم لا؟ وهو أصل قد اختلف فيه قول ابن القاسم، وقد مضى بيان ذلك في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب النكاح، ولو أوجب التطليقتين عليه بشرط ذهابها، فقال لها: إن ذهبت إلى بيتك فأنت طالق تطليقتين، لم يلزمه شيء، إلا بذهابها، وبالله التوفيق.

.مسألة الرجل يغيب عن امرأته ثم يطلقها، فلا تعلم بطلاقه إياها حتى تتسلف وتنفق، ثم يقدم، أعليه لها ما تسلفت؟:

قال: وسألته عن الرجل يغيب عن امرأته ثم يطلقها، فلا تعلم بطلاقه إياها حتى تتسلف وتنفق، ثم يقدم، أعليه لها ما تسلفت؟ قال: لا أدري ما سلف، أما أنا فأرى لها النفقة عليه إذا لم تكن علمت بطلاقه، ويكون عليه مما تسلفت قدر النفقة عليها، وأما أن تأخذ الدينار فأكثر منه، فلا أرى ذلك لها عليه، وعليه قدر النفقة التي ينفق مثله على مثلها، قلت له: إنه قد طلقها قبل ذلك، فلم تعلم، فقال لي: أما أنا فأرى عليه النفقة، قال سحنون: قال لي ابن نافع: لا أرى لها عليه شيئا، ولا تشبه هذه التي تنفق من شيء خلفه عندها زوجها.
قال محمد بن رشد: أما ما زادت في السلف، مثل أن تشتري ما قيمته دينار بأكثر من دينار إلى أجل، فتبيعه بدينار في نفقتها، فلا يلزمه باتفاق. وقد مضى ذلك في رسم حلف من سماع ابن القاسم. وأما ما أنفقت مما خلفه عندها من ماله، فلا غرم عليها فيه باتفاق، واختلف فيما أنفقت من مالها أو تسلفته عليه من غير أن يتعين فيه بزيادة على هذين القولين. وقد مضى ذلك أيضا والقول فيه في أول رسم من سماع ابن القاسم.

.مسألة أم الأم يصير لها ولد ابنتها بموت أمهم:

قال: وسألته في الرجل يكون له الولد، فيصيرون لجدتهم من أمهم، بموت من أمهم، أو تزويج، أيكلف أبوهم مع النفقة عليهم، النفقة على جدتهم أو أجر حضانتها إياهم؟ قال: لا أرى أن يكلف إلا النفقة على ولده، ولا أرى عليه للجدة، إلا أن يتراضيا على شيء.
فقلت له: لم يراضها وهو يقول: أحببت أن تحضنهم بغير شيء، وإلا فادفعي ولدي إلي فعندي أهلي وإخوتي يحضنونهم، وهو في ذلك واجد موسر، فقال لي: أرى ذلك له، ولا أرى لها عليه فيهم شيئا إلا نفقة ولده، ثم قلت له بعد ذلك: سألتك عن أم الأم يصير لها ولد ابنتها بموت أمهم، أو يتزوجها رجل، أيكون لها على أبيهم أجر حضانتها إياهم مع نفقتهم؟ فقلت لي: لا أرى لها عليه شيئا فيهم، إلا نفقة ولده فقط، أترى أمهم كذلك، إذا قامت عليهم وحضنتهم، وفطموا، فطلبت أجر حضانتهم مع نفقتهم؟ فقال لي: نعم، لا أرى لها عليه أجر حضانته ولا شيئا إلا نفقة ولده، إلا أن يصالحها على شيء، فأما أن يكون لها عليه شيء فلا أرى ذلك لها عليه.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما مضى في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم من هذا الكتاب، وخلاف ما يأتي بعد هذا في رسم الأقضية الثاني من هذا السماع، وخلاف ما في رسم شك في طوافه أيضا من سماع ابن القاسم، من كتاب النكاح. وقد مضى القول هناك على المسألة، وقلنا إن الاختلاف فيها جار على الاختلاف في الحضانة، هل هي من حق الحاضن أو من حق المحضون؟ وفي سماع ابن القاسم من كتاب الوصايا تفرقة، لا تخرج عن القولين.

.مسألة فارقها زوجها ولها منه ولد فأقام مع أبيه سنتين ثم مات:

وسئل عن امرأة فارقها زوجها ولها منه ولد، فأقام مع أبيه سنتين، ثم مات وترك الولد وماشية وأموالا، فأرادت أمه تقبضه، فقال: وأين كانت أمه عنه في حياة أبيه؟ قلت: منحية، لا أرى ذلك لها ولا أرى لها أخذه.
قال محمد بن رشد: وقد قيل: إن لها أن تقبضه إذا مات الأب. وقد مضى ذلك، والقول في المسألة مستوفى في آخر رسم من سماع ابن القاسم.

.مسألة طلق امرأته البتة وهي حامل هل عليه أجر القابلة:

وسئل عن الرجل يطلق امرأته البتة، وهي حامل، أترى عليه أجر القابلة؟ فقال: ما سمعت بذلك ولا أعلمه عليه، ولا سمعت بأحد سأل عن هذا.
قال محمد بن رشد: قوله: ولا أعلمه عليه، يقتضي أنه يراه على المرأة، وأصبغ يراه على الأب. وقال ابن القاسم: إن كان أمرا يستغني عنه النساء، فهو على المرأة، وإن كان لا يستغني عنه النساء، فهو على الأب، وإن كانا ينتفعان به جميعا، فهو عليهما جميعا، على قدر منفعة كل واحد منهما في ذلك، وقع ذلك من قولهما في رسم يوصي من سماع عيسى من كتاب الجعل والإجارة، فهي ثلاثة أقوال، وبالله التوفيق.

.مسألة يجبر الذي يحلف بالطلاق وامرأته حائض على رجعتها:

وسألته فقلت له: أليس ترى أن يجبر الذي يحلف بالطلاق وامرأته حائض على رجعتها كما يجبر الذي يطلق حائضا؟ فقال: ما أشبهه به، وإني لا أراه.
قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة والقول فيها في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، والحمد لله.

.مسألة يطلق امرأته فحاضت حيضة ثم ارتجعها فطلقها قبل أن يمسها:

وسئل عن الذي يطلق امرأته، فحاضت حيضة ثم ارتجعها، فطلقها، قبل أن يمسها، فقال: تعتد من يوم طلقها الطلاق الآخر ثلاث حيض.
قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة والقول فيها في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة يقول امرأتي طالق البتة إن أقلت فلانا:

ومن كتاب الطلاق:
وسئل عن الذي يقول امرأتي طالق البتة، إن أقلت فلانا، أيوقف عن امرأته، حتى ينظر أيقيله أم لا؟ فقال: لا.
قال محمد بن رشد: وهذا بين على ما قال؛ لأنه على بر، وله أن يطأ امرأته، وإنما يوقف عن امرأته، ويدخل عليه أجل الإيلاء الذي يحلف أن يفعل فعلا مما يمكنه فعله في الحال، مثل أن يقول امرأتي طالق إن لم أدخل الدار، وما أشبه ذلك.
وستأتي هذه المسألة والقول فيها في موضعها من كتاب الإيلاء، إن شاء الله.

.مسألة قال لامرأته إن خرجت من بيتك فهو فراق بيني وبينك فخرجت:

وسئل عن رجل قال لامرأته: إن خرجت من بيتك فهو فراق بيني وبينك، فخرجت، فقال له مالك: أي شيء نويت، فقال: لم أنو شيئا، فقال: أحب إلي ألا تقربها وأن تدعها.
قال محمد بن رشد: لم يبين في هذه الرواية ما يقع عليه من الطلاق فيها إذا لم تكن له نية، والمعلوم من قوله في قول الرجل لامرأته قد فارقتك، إنها ثلاث في المدخول بها إذا لم تكن له نية.
واختلف في التي لم يدخل بها، فقيل: هي ثلاث، إلا أن ينوي واحدة، وقيل: هي واحدة، إلا أن ينوي ثلاثا. وقد مضى ذلك في أول رسم من سماع ابن القاسم وقوله فراق بيني وبينك مثله في المعنى سواء.

.مسألة يطلق امرأته وله منها ابنة فيقول أرسليها إلي تأكل معي:

وسئل مالك عن الذي يطلق امرأته، وله منها ابنة، ابنة أربع سنين، فيقول ما عندي مال أنفق عليها، أرسليها إلي تأكل معي، فقال: أخاف أن يكون مضرا بها، ولكن تنظر فيما يقول، فإن كان كذلك أمرا غالبا معروفا، قيل لها: أرسليها تأكل مع أبيها وتأتيك، فإن كان لا يزال يكتسي الثوب ويأكل اللحم فذلك وجه.
قال محمد بن رشد: ليس للرجل الموسر أن تأكل ابنته عنده، ويلزمه أن يدفع نفقتها إلى أمها الحاضنة لها، فإن ادعى أنه لا يقدر على ذلك، نظر في حاله، فإن تبين صدق قوله، وأنه لا يريد الضرر بما دعا إليه من أن يأكل ولده معه، كان ذلك له كما قال، وإلا فلا، وبالله التوفيق.

.مسألة يتوفى عنها زوجها فتحلق رأسها هل عليها من كفارة:

وسئل عن المرأة يتوفى عنها زوجها، فتحلق رأسها، هل عليها من كفارة؟ قال: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة: 215]، فأما شيء مؤقت فليس ذلك عليها. وهذا من عمل الجاهلية {وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء: 119].
قال محمد بن رشد: الحلق عند المصيبة مما لا يحل في الشريعة ثبت أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «أنا بريء من السالقة والحالقة والشاقة»، يريد بالسالقة النائحة من قول الله عز وجل: {سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} [الأحزاب: 19]، والحالقة حلق الرأس والشاقة التي تشق عليها ثيابها؛ لأنه من عمل أهل الجاهلية وأمر الشيطان وتغيير خلق الله، وقد لعن رسول الله عَلَيْهِ السَّلَامُ المغيرات لخلق الله فمن فعل ذلك من النساء، فكفارتها التوبة والاستغفار، وتؤمر بالصدقة استحبابا، لما جاء من أن الصدقة تكفر الذنب، وليس في ذلك شيء موقوف، كما قال مالك، وبالله التوفيق.

.مسألة طلق امرأته حاملا وهي ترضع:

وسئل عمن طلق امرأته حاملا وهي ترضع، أترى عليه النفقتين جميعا كلتيهما، نفقة الحمل، ونفقة الرضاع؟ قال: أرى ذلك عليه جميعا.
قال محمد بن رشد: قال: في كتاب الرضاع من المدونة: إن على المرأة أن ترضع ولدها بعد الطلاق في العدة، ما دامت النفقة على الزوج، فذهب بعض الناس إلى أن ذلك خلاف لرواية أشهب هذه، وقال على ما في المدونة لا نفقة لها في الرضاع، ما دامت النفقة لها واجبة على الزوج بسبب الحمل، وليس ذلك بصحيح؛ لأن النفقة واجبة في العدة بحق العصمة التي أوجب الله فيها على الأم إرضاع ولدها بقوله: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233]، فأوجب لهن الإنفاق على أزواجهن بحق العصمة، وأوجب عليهن الإرضاع طول العصمة، وأما البائن فلا نفقة لها، إلا أن تكون حاملا، لقول الله عز وجل: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6]، ولا إرضاع عليها إلا أن تشا، فتكون لها الأجرة، لقول الله عز وجل: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6]، فليس وجوب النفقة لها بسبب الحمل الذي يسقط ما أوجب الله لها من الأجرة في الرضاع. وهذا بين، والله الموفق.

.مسألة تشتري من صاحبتها يومها من زوجها:

وسئل عن المرأة تشتري من صاحبتها يومها من زوجها، فقال: لا يعجبني، وإني لأكرهه، أرأيت لو اشترت منها شهرا أو سنة، وإني لأرجو أن تكون الليلة خفيفة.
قال محمد بن رشد: كره هنا أن تشتري المرأة من صاحبتها يومها من زوجها، وخفف في رسم الطلاق الأول، من سماع أشهب، من كتاب النكاح أن يرضي الرجل إحدى امرأتيه بالشيء، يعطيها عن يومها، فيكون فيه عند صاحبتها.
وقد مضى هناك القول فيهما والوجه في الفرق بينهما، فلا معنى لإعادته، والحمد لله.

.مسألة يضرب له أجل سنة في إصابة أهله فلا يصيبها فيفرق بينهما:

قال: وسألته عن الرجل يضرب له أجل سنة في إصابة أهله، فلا يصيبها، فيفرق بينهما، أيكون لها الصداق كله؟ فقال: أما الرجل الذي قد ثوا مع امرأته، وكشفها وتلذذ منها، وأطال المقام، ثم استعدت عليه، فضرب لها أجل سنة في إصابتها، فمضت السنة فلم يصبها ففرق بينهما.
وقد خلقت الثياب، وطال العهد، فإني أرى لها الصداق كله، ولا يؤخذ منها له شيء، وأما الذي يضرب له أجل سنة بحداثة دخوله، ثم لا يصيبها حتى تمضي السنة، فيفرق بينهما، فلا أرى لها إلا نصف الصداق، وأرى ذلك له من كل ما اشترت يكون له نصفه.
قلت: أرأيت ما لم يجد عندها من ذلك، أيتبعها به؟ فقال: أما الشيء الذي استنفقته أو أهلكته، فأرى ذلك له عليها يتبعها به، وأما طيب تطيبت به، أو ثوب لبسته، فأبلته، أو خادم هلكت، أو شيء انكسر، فلا أرى عليها في ذلك شيئا.
قال محمد بن رشد: قوله: إنه لا يستوجب جميع الصداق، إلا بالطول قبل ضرب الأجل، خلاف ما في المدونة، من أن السنة المضروبة له طول إقامة، تستوجب بها المرأة جميع الصداق، وإن ضربت بحدثان الدخول، ومن أهل العلم من يوجب للمرأة الصداق كله بالدخول بها، وإرخاء الستر عليها، وإن لم يصبها فظاهر قول عمر: إذا أرخيت الستور، فقد وجب الصداق، ومنها من لم ير لها إلا نصف الصداق، وإن طال الأمر، ما لم يمسها لقول الله عز وجل: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237]، فقول مالك في مراعاة الطول، قول وسط بين القولين، ويرجح ما في المدونة بالقول الأول، وما في هذه الرواية بالقول الثاني.
وأما قوله: إنه يكون له من كل ما اشترت نصفه، فقد مضى القول فيه في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم. وقوله: إنه لا يتبعها بما لبسته فأبلته صحيح لا اختلاف فيه؛ لأنها إنما لبسته بعد الدخول، وإنما يختلف فيما لبسته قبل الدخول مما نقدها، على ما مضى القول فيه في رسم شك في طوافه، من كتاب النكاح.
وقوله: فيما استنفقته إنه بمنزلة ما أفسدته أو أهلكته، معناه: أنها استنفقته فيما يخصها مما يلزم الزوج من نفقتها، وأما ما أنفقته على نفسها مما يلزم الزوج لها، فلا رجوع له عليها فيه، إذا فرق بينهما بقرب الدخول، بل لها الرجوع عليه بنصفه، وإنما لم ير الرجوع له عليها في الطيب الذي تطيبت به من صداقها، وإن كان الطيب لا يلزمه أن يقوم به لها من أجل أنها إنما تطيبت له، فهو المستمتع به معها، وبالله التوفيق.

.مسألة طلقت فحاضت الحيضة الثالثة ألها أن تتزوج قبل أن تطهر منها:

وسئل عن المرأة طلقت فحاضت الحيضة الثالثة، ألها أن تتزوج قبل أن تطهر منها؟ قال: نعم ذلك لها، ولكن لا يعجل حتى يعلم أنها حيضة ويقيم أياما، فيعلم أنها حيضة.
قال محمد بن رشد: قوله ذلك، يدل على أن قوله: ولكن لا يعجل معناه على الاستحباب، إذ لو حمل على الوجوب لتناقض الكلام.
وقول أشهب في المدونة: غير أني أستحب ألا يعجل بالتزويج حتى يعلم أنها حيضة مستقيمة، بتماديها فيها، يأتي على روايته هذه عن مالك، وعلى أن الحيض الذي يكون حيضة تعتد بها المرأة في أقرائها في الطلاق، ويكون ذلك استبراء للأمة في البيع، فقد قيل فيه ثلاثة أيام، وهو قول محمد بن مسلمة. وقد قيل: خمسة أيام، وهو قول ابن الماجشون. وإنما قلنا على أنه يأتي على أن لأقل الحيض حدا لأنه قال: إنه إن انقطع وجب على المرأة الرجوع إلى بيتها، ووجبت لزوجها عليها الرجعة، فوجه قوله: إنه تحكم لما تراه المرأة من الدم، من أول ما تراه بأنه حيضة في الظاهر، فيوجب عليها الانتقال من مسكن الزوج، ويبيح لها التزويج على كراهة، ويمنع الزوج من ارتجاعها، إذ لا يتحقق أنها حيضة إلا بتماديها فيها، فإن لم تتماد فيها وانقطع الدم، فلم ترجع من قرب، وكانت قد تزوجت، فسخ النكاح، وصحت رجعة الزوجة إن كان قد ارتجع، وكان له أن يرتجع إن كان لم يرتجع.
وأما إن رجع من قريب فلا يفسخ النكاح وتبطل الرجعة؛ لأن الدم الثاني مضاف إلى الأول. وما بين ذلك من الطهر يلغى، وأما على مذهب من لا يوقت لأقل الحيض حدا، أو يقول: إن الدم وإن كان دفعة واحدة، يكون حيضة تعتد به المطلقة في الطلاق، ويكون استبراء في الأمة في البيع، إذا كان منفصلا مما قبله ومما بعده، وهو مذهب ابن القاسم، وروايته عن مالك في المدونة؛ لأنه قال فيها: إن الأمة المبيعة إذا دخلت في الدم من أول ما تدخل، فمصيبتها من المشتري، وقد حل للمشتري أن تقبل وأن يباشر، يجوز للمرأة أن تتزوج بأول ما تراه من الدم، ولا معنى لاستحباب التأخير في ذلك؛ لأن الدم إن انقطع لا يخلو من أن يعود عن قرب أو عن بعد، فإن عاد عن بعد انكشف أن ذلك الدم هو الحيضة الثالثة، وأن هذا الدم حيضة رابعة، وإن عاد عن قرب كان مضافا إلى الدم الأول، وعلم أنه كان ابتداء الحيضة الثالثة، وأن ما بينهما من الطهر يلغى، لا حكم له.
وسحنون يوجب عليها ألا تتزوج حتى تقيم في الدم إقامة يعلم بها أنها حيضة، ويحتج برواية ابن وهب عن مالك، في أن المطلقة لا تبين من زوجها بما تراه من أول الدم الثالث، حتى يعلم أنها حيضة مستقيمة، وأن الأمة لا تحل للمشتري في البيع ولا تدخل في ضمانه بأول الدم حتى تتمادى فيه ويعلم أنها حيضة مستقيمة.
وقد قال ابن القاسم في كتاب الاستبراء من المدونة: إن الدم يوم أو بعض يوم إذا انقطع، يريد ولم يعد حتى مضى من المدة ما يكون طهرا فاصلا يسأل النساء عنه، فإن قلن:
إنه يكون حيضا كان الاستبراء، وإلا فلا فعلى قوله هذا يسأل النساء عنه، فإن قلن: إنه لا يكون حيضا، يكون الحكم في ذلك على ما في سماع أشهب. واختلف في هذا الدم إذا انفصل مما قبله ومما بعده، ولم يعد حيضة تعتد به المرأة في أقرائها لقلته على هذا القول، هل تقضي صلاة تلك الأيام أم لا؟ فالذي يأتي على المذهب، أنها لا تقضي صلاة تلك الأيام؛ لأن الاختلاف فيه إنما هو هل يكون حيضة تعتد به المرأة في أقرائها؟ لا في هل يكون حيضا يسقط وجوب الصلاة؟ وإنما القائل: إنه لا يكون ما دون ثلاثة أيام حيضا يسقط وجوب الصلاة، أبو حنيفة، وقد روي عن سحنون أنه يقضي صلاة تلك الأيام، وقوله خارج عن المذهب مثل قول أبي حنيفة وبالله التوفيق.

.مسألة طلق امرأته فقالت إني حامل فجعل معها امرأة:

وسئل عمن طلق امرأته فقالت: إني حامل، فقال: أمستأجر أجيرة تكون معها، فإنها ليست عندي بمأمونة؟ فجعل معها امرأة، ثم استمرت حاملا، فقال الزوج: قد اعترضت عنها، ولا أعلمه كان مني إليها شيء، فقال مالك: هم يحتجون عليه بأنه جعل امرأة معها، قيل له: فإنه يقول جعلت ذلك، قال: فأرى إن لم يأتوا بالبينة لاعن، وإن جاءوا بالبينة كان الولد منه، ولا أرى عليه فيما قال حدا ما، وإنما قال: ولا أعلمني أصيبها، وقد تحمل المرأة ولا يبلغ ذلك منها.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن الزوج ليس مقرا بأنه قال: قد اعترضت عنها ولا أعلمه كان مني إليها شيء، وإنما تدعي ذلك عليه وهو ينكر أن يكون قاله ويدعي هو أنه لا، فرأى مالك ثبوت الشك عليه في ذلك بهذا القول، يوجب أن يلحق به الولد، وقوله صحيح، كالرجل يدعي على الرجل، فيشهد عليه أنه قال: لا أدري من جرحني، إن قوله يبطل، ويلزم على هذا في المودع يدعي رد الوديعة، فيشهد عليه أنه قال: لا أدري إن كنت رددتها أم لا، ألا يصدق في الرد، إلا أن يفرق بين الحقوق واللعان، فقد فرق بينهما في غير ما موضع؛ لأنه أغلظ منها، وقد اعترض أبو إسحاق التونسي قول مالك هذا وقال: ينبغي أن يكون له أن يلاعن؛ لأنه يقول الذي شككت فيه قد تيقنته، وإنما لا يكون له أن يلاعن مع تماديه على الشك، كمن شك هل له على رجل مائة؟ ثم يتيقن، فادعاها، إن شكه أولا يسقط اليمين عن المدعى عليه، قال: إلا أن يقال: إن إقراره بالشك، ورجوعه عنه إلى إقرار يدعيه، بخلاف إنكاره أن يكون قال ذلك، ويجعل إنكاره للشك كتماديه عليه، وليس ذلك ببيِّن. والمسائل التي نظرتها بها أشبه من التي نظرها هو بها. فقول مالك في أن الولد يلزمه بما شهد به عليه صحيح، وأما قول مالك: وما أرى عليه حدا فيما قال، إلى آخر قوله، فيفيد؛ لأنه بإنكاره الوطء قاذف، فإذا لم يصدق في إنكاره، ولا مكن من اللعان وجب أن يُحدّ، والله أعلم وبه التوفيق.

.مسألة طلق امرأته وهي حامل فمطلها بالنفقة حتى مات أتتبعه ورثتها بنفقتها:

وسئل عمن طلق امرأته وهي حامل، فمطلها بالنفقة حتى مات، أتتبعه ورثتها بنفقتها؟ فقال: ومن أين يعلمون أنها كانت حاملا؟ إذا استوقن أنها كانت حاملا، فأرى أن يتبع بذلك، فيغرمه، والحد الذي يتيقن فيه حملها تحرك الولد، وأنا أرى أن يؤخر النفقة حتى يتبين الحمل، فيكون عليه نفقة ما مضى وما يستقبل.
قال محمد بن رشد: هذا هو المشهور في المذهب، أن يحكم للحمل بتحركه في وجوب النفقة له، واللعان عليه، وكون الأمة حرة به إذا مات سيدها، وبها حمل منه، وما أشبه ذلك. وفي مختصر ابن شعبان عن مالك، إنه لا ينفق على المرأة تدعي الحمل حتى تضع، فيحسب ذلك لها، وتعطاه، قال: كم من امرأة تدعي مثل هذا، ثم ينكشف أمرها، على أنه ليس بها حمل، ولعله أن يطلب منها ما أعطاها، فلا يجد عندها شيئا. قال: ثم رجع إلى ما في مختصر عبد الله، إن النفقة تلزمه، بتبيُّن الحمل، وهذا الاختلاف داخل فيما ذكرناه من اللعان وغيره.

.مسألة يطلق امرأته بالإسكندرية وله منها ولد فتريد الخروج بهم إلى الفسطاط:

ومن كتاب الأقضية الثاني:
وسئل عن الرجل يطلق امرأته بالإسكندرية، وله منها ولد، فتريد الخروج بهم إلى الفسطاط، أذلك لها؟ فقال: ما أظن ذلك. فقلت له: إن بين الإسكندرية وبينها مسيرة ثلاثة أيام، فليس للأم أن تخرج بهم إلى الفسطاط، فقال لي: ليس لها، إذا كان مسكن الأب الإسكندرية، فقلت له: هي مسكنهم، فقال لي: ليس ذلك لها.
قال محمد بن رشد: قد مضى مثل هذا القول والقول فيه في رسم حلف من سماع ابن القاسم فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق.